احترس.. القلق مرض قاتل!!
ربيع الشيخ
القلق من الأمراض النفسية التي تَفتِك بالإنسان وتقوده إلى الانتحار، ويُصاب به الذكورُ والإناث علي حدِّ السواء، الصغارُ والكبار والمسنُّون، لا يفرّق بين مستوى التعليم والثقافة ولا المستوى المادي، الجميع عرضة للإصابة به، وزادت نسبة الإصابة به في الأيام الأخيرة في كل أنحاء العالَم، ولدى شرائحَ واسعةٍ في المجتمعات المختلفة وفي جميع الأعمار.
ويعد القلق من الأمراض التي غزت العالَم؛ حيث إنَّه لا يوجد إنسان على وجه الكرة الأرضية إلا وهو مصاب بالقلق، وتختلف نسبة الإصابة من شخص إلى آخر، فيُصيب الغنيَّ والفقير، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، وكذلك الإنسان المتحضر والإنسان البدوي الذي يعيش في الغابات.
وترتفع نسبةُ القلق عند الإنسان الذي يعيش مهمومًا بالدنيا، في حين أن الإنسان المسلم عندما يصاب بهذا المرض فإنَّ لديه ما يخفف عنه هذا القلقَ والاكتئاب؛ وذلك باللجوء والتضرع إلى الله - عزَّ وجلَّ - مِصْداقًا لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون ﴾ [البقرة: 186] ، وقوله تعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62] ، فاللجوء إلى الله - عزَّ وجلَّ - وتعميق الصلة بالله يُزيل هذا القلقَ.
وينقسم القلق إلى نوعين:
قلق حميد "مُنتِج"، فمثلا: الخوف على الأولاد من الضياع والمرض، وهذا يدفع الوالد إلى العمل وكسب العيش؛ ليوفِّرَ احتياجاتِهم وضرورياتهم وتنشئتهم التنشئةَ الصالحة التي تجعله نافعًا لنفسه ولوطنه، وكذلك الخوفُ على صحته بإبعاده عن آفة التدخين والمخدرات والمسكرات؛ خوفًا وقلقا على صحته.
أما النوعُ الثاني، فقلقٌ مذمومٌ، وهو "المعطِّل" عن الحياة، ففي النوع الأول يتعامل الإنسانُ مع القلق بطريقة إيجابية، بينما في الثاني يتعامل الإنسان معه بطريقة سلبية، فمثلا عندما يخاف الإنسانُ على أولاده، فإنه في هذه الصورة قد يمنعهم من الخروج خارج المنزل؛ مما يؤثر سلبيًّا في تكوين شخصيتهم، ويجعلهم يشعرون بالنقص والدونية أمام الآخرين، فيؤدي ذلك إلى انسحابهم من الحياة الاجتماعية.
ويحتوى القلق على ثلاثة مكونات أساسية:
منها التذكير بالمستقبل، كالتفكير في عواقب قضية لم تحْدُث بعدُ، والتفكير الكارثيُّ الذي يقود الإنسان إلى العواقب والكوارث، ويَذهب بصاحبه إلى نهاية سيناريوهات نهاية العالَم، فمثلا لو خرج ابنك من البيت فإن الوالدَ يقول: ماذا أفعل إذا صدمتْه سيارةٌ؟ إلى أيِّ مستشفى سأذهب به؟ وكيف سأحضِّر لجِنازته؟...إلخ.
وهناك أسباب كثيرة تؤدى إلى القلق، منها عدم الرضا والطمأنينة؛ فالإنسان قد يطلب شيئًا ويأتيه أقلُّ منه، الأمر الذي يعيشه دائما في غير رضًا، وكذلك التكالب على الدنيا والحرص عليها، فالتفكير في الدنيا مطلوب لكي تكون وسيلة تقودك إلى الجنة، لا أن تأخذك إلى جهنم والعياذ بالله؛ فالنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((من كانت الآخرةُ همَّه، جعل الله غِناه في قلبِه وجمَع عليه شملَه، وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله شمله وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له)).
ويعدُّ الخوف من زوال النعمة من أسباب القلق؛ فالإنسان ينسى كلَّ نِعَمِ الله عليه، ويفكر مثلاً في نعمة المال، ويخاف ويقلق دائمًا من زوالها، ولنأخذ العبرة والعظة من قول أحد الحكماء: ما فكرتُ في الدنيا قطُّ إلا عندما حفِيَت أرجلي ولم أستطع أن أشتري حذاءً، فذهبتُ إلى مسجد الكوفة فرأيتُ رَجلاً بلا رِجلين، فحمِدتُ الله وشكرتُه على نعَمِه الكثيرةِ.
ولعلاج مرض القلق؛ ينبغي للإنسان أن يكون له أهدافٌ سامية يفكر فيها دائما؛ لكي يسعى إلى تحقيقها، وأن يحوِّلَ قلقه إلى قلقٍ حميد يدفعه إلى التغيُّر إلى الأفضل، والشعورِ بالسعادة، إضافةً إلى الرضا بقضاء الله وقَدَرِه، والاسترخاءِ والتنفُّسِ بعُمْق، ومراقبةِ القلق عند الإنسان؛ ليعرف ما هي الأسبابُ التي سببَّت له هذا القلقَ، والبُعد عنها.